بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري (735) ومسلم (390) عن ابن عمر : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ )
وفي المقابل روى الامام أحمد في مسنده (20014) ولفظه : عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِيَالَ فُرُوعِ أُذُنَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ” .
وروى ابن أبي شيبة (2449) عَنْ أَنَسٍ ” أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ” صححه الألباني في ” الإرواء ” (2/68) .
فاختلف العلماء في الجمع بين حديث ابن عمر الذي ينفي فيه الرفع في السجود ، وبين حديث مالك بن الحويرث ، وحديث أنس ، وما روي في معناهما مما يفيد الرفع في السجود :
– فذهب بعضهم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع أحيانا ، ولكن كان أكثر حاله على عدم الرفع .
قال السندي رحمه الله :” الظَّاهِر أَنَّهُ كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ أَحْيَانًا وَيَتْرُك أَحْيَانًا ، لَكِنَّ غَالِب الْعُلَمَاء عَلَى تَرْك الرَّفْع وَقْت السُّجُود ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِذَلِكَ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْأَصْل هُوَ الْعَدَم ، فَحِين تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا الْفِعْل وَالتَّرْك : أَخَذُوا بِالْأَصْلِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم ” انتهى .
وذهب الأكثرون إلى ترجيح عدم الرفع ؛ لأنه المحفوظ رواية ودراية ، وحكموا على روايات الرفع بالشذوذ ، وأن الراوي أخطأ فذكر الرفع بدل التكبير ؛
لأن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع ، كما في البخاري (785) ، ومسلم (392) . والمراد بذلك غير الرفع من الركوع
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :” وإذا كان ابن عمر – رضي الله عنهما – وهو الحريص على تتبع فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقد تتبعه فعلا ، فرآه يرفع يديه في التكبير، والركوع، والرفع منه، والقيام من التشهد الأول ، وقال: “لا يفعل ذلك في السجود“.
فهذا أصح من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان يرفع يديه كلما خفض وكلما رفع”،
ولا يقال: إن هذا من باب المثبت والنافي، وأن من أثبت الرفع فهو مقدم على النافي في حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ؛ لأن حديث ابن عمر صريح في أن نفيه ليس لعدم علمه بالرفع ، بل لعلمه بعدم الرفع ، فقد تأكد ابن عمر من عدم الرفع ، وجزم بأنه لم يفعله في السجود ، مع أنه جزم بأنه فعله في الركوع ، والرفع منه ، وعند تكبيرة الإحرام ، والقيام من التشهد الأول.
فليست هذه المسألة من باب المثبت والنافي التي يقدم فيها المثبت لاحتمال أن النافي كان جاهلا بالأمر، لأن النافي هنا كان نفيه عن علم وتتبع وتقسيم ، فكان نفيه نفي علم ، لا احتمال للجهل فيه فتأمل هذا فإنه مهمٌ مفيدٌ ” انتهى من ” مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (13 /45-46) .
والرفع في كل خفض ورفع ، لا يصح عن أحد من الصحابة ، وإنما الصحيح التكبير في كل خفض ورفع الا الرفع من الركوع .
المسألة الثانية :
هل رفع اليدين بعد التشهد الاول يكون حال القعود أم عند القيام الى الركعة الثالثة ؟
روى الترمذي في جامعه عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه : كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا قامَ إلى الصَّلاةِ اعتدلَ قائمًا ورفعَ يدَيهِ حتَّى يُحاذيَ بِهِما مَنكِبيهِ ، فإذا أرادَ أن يركعَ رفعَ يدَيهِ حتَّى يحاذيَ بِهِما منكبيهِ ، ثمَّ قالَ : ( اللَّهُ أكبرُ ) ورَكَعَ ثمَّ اعتدلَ فلم يصوِّب رأسَهُ ولم يُقنِعْ ووضعَ يدَيهِ علَى رُكْبتيهِ ، ثمَّ قالَ : ( سمعَ اللَّهُ لمن حمدَهُ ) ورفعَ يدَيهِ واعتدلَ حتَّى يرجعَ كلُّ عظمٍ في موضعِهِ معتدلًا ثمَّ هوى إلى الأرضِ ساجِدًا ثمَّ قالَ: ( اللَّهُ أكبرُ ) ثمَّ جافى عضُدَيْهِ عن إبِطيهِ وفتحَ أصابعَ رجليهِ ثمَّ ثنى رجلَهُ اليُسرَى وقعدَ عليها ثمَّ اعتدلَ حتَّى يرجعَ كلُّ عظمٍ في موضعِهِ معتدلًا ثمَّ هوى ساجدًا ثمَّ قالَ : ( اللَّهُ أكبرُ ) ثمَّ ثنى رجلَهُ وقعدَ واعتدلَ حتَّى يرجعَ كلُّ عظمٍ في موضعِهِ ثمَّ نَهَضَ ثمَّ صنعَ في الرَّكعةِ الثَّانيةِ مثلَ ذلِكَ حتَّى إذا قامَ منَ السَّجدتينِ كبَّرَ ورفعَ يدَيهِ حتَّى يحاذيَ بِهِما مَنكِبيهِ كما صنعَ حينَ افتتحَ الصَّلاةَ ، ثم صنعَ كذلِكَ حتَّى كانتِ الرَّكعةُ الَّتي تَنقضي فيها صلاتُهُ أخَّرَ رجلَهُ اليُسرَى وقعدَ علَى شقِّهِ متورِّكًا ثمَّ سلَّمَ ” . صحيح
حديث أبي حميد الساعدي رواه عن يحيى بن سعيد كل من:
1- أحمد في المسند 23599 وفيه:
حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.
2- مسدد عن البخاري في رفع اليدين 3 وفيه:
وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك .
3- محمد بن بشار عند ابن ماجه 862 وفيه:
فإذا قام من الثنتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة .
4- محمد بن بشار و محمد بن المثنى عند الترمذي 304 وفيه:
حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.
5- يعقوب بن إبراهيم الدورقي ومحمد بن بشار واللفظ له عند النسائي 1104 وفيه:
كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.
6- محمد بن بشار عند ابن خزيمة 587 وفيه :
حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بها منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة.
أما ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده قال حَدَّثَنَا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ” إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ كَبَّرَ ، ثُمَّ يَسْجُدُ ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الْقَعْدَةِ كَبَّرَ ، ثُمَّ قَامَ” من أهل العلم من حسنه ..
كامل بن طلحة الجحدري : صدوق حسن الحديث .
حماد بن سلمة البصري : تغير حفظه قليلا بآخره, ثقة عابد.
محمد بن عمرو الليثي : صدوق له أوهام .
أبو سلمة بن عبد الرحمن : ثقة إمام مكثر
فهذا قد خالف فيه حماد بن سلمة باللفظ المذكور –التكبير ثم القيام– ثلاثة من الرواة عن محمد بن عمرو ، وهم:
1- يزيد بن هارون : كما عند ابن أبي شيبة 1/241 (2496) وبنفس اللفظ أحمد في 2/502 (10526) قالا: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنه كان يصلي بهم ” فيكبر كلما رفع ووضع ” فإذا انصرف قال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- محمد بن عبيد الطنافسي : كما عند أحمد 2/527 (10833) قال: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان مروان يستخلفه على الصلاة إذا حج أو اعتمر، فيصلي بالناس، فيكبر خلف الركوع وخلف السجود، فإذا انصرف قال: ” إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم “
3- خالد بن عبد الرحمن الواسطي: كما عند أبي يعلى 5949 قال :حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنه كان «يصلي بهم فيكبر كلما وضع رأسه ورفع» فإذا انصرف قال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من قال أن حديث ابن عمر : “وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه “ المراد بذلك حال القعود قبل القيام لكن هذا بعيد لأن سياق الحديث وسباق هذا الجملة : “وإذا ركَع رفَع يدَيهِ ” يدلُّ على أن المراد ب ” اذا ” خلال أو بعد لا قبل لأننا لا نرفع ايدينا ونحن راكعين بل خلال الرفع من الركوع وكذلك قول أبي حميد الساعدي : ” اذا قام الى الصلاة رفع يديه ” أي بعد القيام لأنه لا تصح التكبيرة الاحرام من قعود في المفروضة بالنسبة للقادر .
وهذا بخلاف قوله تعالى : ” اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم” الذي احتجوا به على أن المراد بإذا أي قبل ، لأنَّ السياق هنا مختلف تماما عما جاء في الحديث والمعنى يؤخذ من سياق الحديث وما ورد في بابه ، وكذلك تفسير السنة بالسنة هو المقدم والله أعلم
قال العلامة بن عثيمين رحمه الله :” وعلى هذا ؛ فمواضع رَفْع اليدين أربعة : عند تكبيرة الإحرام ، وعند الرُّكوعِ ، وعند الرَّفْعِ منه ، وإذا قام من التشهُّدِ الأول ، ويكون الرَّفْعُ إذا استتمَّ قائماً ؛ لأن لفظ حديث ابن عُمر : (وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه ) ، ولا يَصدُق ذلك إلا إذا استتمَّ قائماً ، وعلى هذا :فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض ، كما توهَّمَهُ بعضهم ” اه الشرح الممتع” (3/214) .
وقد اختار علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أن الرفع يكون مع بدء الانتقال من الجلوس إلى القيام حيث قالوا: “يشرع رفع اليدين في الصلاة عند القيام من التشهد الأول مع التكبير بعد البدء في الانتقالمن الجلوس إلى القيام” انتهى .
فرفع اليدين عند القيام الى الركعة الثالثة الراجح أنه يفعل خلال القيام أو عند استتمام القيام لا حال القعود
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .
Visits: 521