بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الله تعالى هو الحكم العدل الذي لا يظلم الناس شيئا، قال تعالى : ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيم “، وقال سبحانه: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ“
وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا : “إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها ” رواه مسلم
ولذا يجب الإيمان بأن من مات موحدا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن عذب قبلها، ومن مات على الشرك الأكبر وقد بلغته الدعوة وقامت عليه الحجة في الدنيا فهو من أهل النار خالدا فيها ـ والعياذ بالله ـ فعن جابرـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ثنتان موجبتان، قال رجل: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. رواه مسلم.
ولا يمكن الجزم بتعذيب شخص معين، ولا بالتخفيف عنه، لأن ذلك تابع لمشيئة الله وعدله وفضله، ولشفاعة الشافعين ولدرجة عصيان العاصي، وإصراره على الذنب، ولغير ذلك مما لا علم لنا به.
وعلى سبيل العموم فقد ذكر أهل العلم أن ثمة أمورا تكفر الذنوب التي يرتكبها العبد، وذكروا منها عذاب القبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: قد دلَّت نصوص الكتاب والسنَّة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب: أحدها: التوبة، وهذا متفق عليه بين المسلمين………………….
وقال أيضا رحمه الله ورفع درجته في المهديين : ” ما يحصل للمؤمن في الدنيا والبرزخ والقيامة من الآلام التي هي عذاب : فإن ذلك يُكفِّر الله به خطاياه ، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا حزَن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله به من خطاياه ) . اه مجموع الفتاوى ( 24 / 375 ) .
وقال الامام ابن القيم في إعلام الموقعين: ” رد الرافضة النصوص الصريحة المحكمة المعلومة عند خاص الأمة وعامتها بالضرورة في مدح الصحابة والثناء عليهم……كفعل إخوانهم من الخوارج حين ردوا النصوص الصحيحة المحكمة في موالاة المؤمنين ومحبتهم وإن ارتكبوا بعض الذنوب التي تقع مكفرة بالتوبة النصوح والاستغفار والحسنات الماحية, والمصائب المكفرة, ودعاء المسلمين لهم في حياتهم وبعد موتهم, وبالامتحان في البرزخ وفي موقف القيامة, وبشفاعة من يأذن الله له في الشفاعة, وبصدق التوحيد, وبرحمة أرحم الراحمين، فهذه عشرة أسباب تمحق أثر الذنوب, فإن عجزت هذه الأسباب عنها فلا بد من دخول النار, ثم يخرجون منها، فتركوا ذلك كله بالمتشابه من نصوص الوعيد ” اه
تنبيه مهم جدا: ” ينبغي أن يُعْلم أن غلبة حسنات العبد على سيئاته ، ليس بمانع من أن يعذب في قبره على بعض ذنوبه التي ورد الوعيد لفاعلها بالعذاب في قبره ، مثل عقوبة المرابي وأنه يسبح في نهر دم ، وعقوبة الزناة والزانيات ، والعقوبة على النميمة ، والغلول من الغنائم ، والكذب ، وعدم الاستبراء من البول ، وغير ذلك من الكبائر التي لم يتب صاحبها منها والتي جاءت النصوص واضحة في التنصيص عليها بعينها .
ولذا فانَّ الوعيد المترتب على العذاب في البرزخ ، ليس هو الوعيد المترتب على العذاب في نار جهنم ، وقد يأتي المسلم بسبب واحد من أسباب العذاب في قبره ، فيعذَّب عليها ، وله أمثال الجبال من الحسنات ، وقد يعفو الله عنه .
والميزان الذي توزن به أعمال الناس فيشقى بعده طوائف خفت موازينهم ، ويسعد آخرون ثقلت موزاينهم : إنما يكون في آخر المطاف ، بعد أن يقطع الناس أشواطاً في مراحل الدار الآخرة .
قال أبو عبد الله القرطبي – رحمه الله – :” والذي تدل عليه الآي ، والأخبار : أن من ثقل ميزانه : فقد نجا وسلِم ، وبالجنة أيقن ، وعلِم أنه لا يدخل النار بعد ذلك ، والله أعلم .” اه ” التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ” ( ص 272 )
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا فنجنا من فتنة القبر وعذابه وتجاوز عن ذنوبا وسيئاتنا ، لا رب لنا سواك ولا منجا لنا ولا ملجأ إلا إليك . روى الامام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : ” أيها الناس لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً وضحكتم قليلاً، أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق » أخرجه الإمام أحمد ( 6/81 ) بسند صحيح على شرط الشيخين.
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .
Visits: 757