هل هنالك تعارض بين حديث : “ويحبس لأهله قوت سنتهم ” وحديث : ” كان لا يدخر شيئا لغد ” ؟

Home / الحديث / هل هنالك تعارض بين حديث : “ويحبس لأهله قوت سنتهم ” وحديث : ” كان لا يدخر شيئا لغد ” ؟
هل هنالك تعارض بين حديث : “ويحبس لأهله قوت سنتهم ” وحديث : ” كان لا يدخر شيئا لغد ” ؟
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:” كان لا يدخر شيئا لغد ” لِسَمَاحَةِ نَفْسِهِ وَمَزِيدِ ثِقَتِهِ بِرَبِّهِ ( لِغَدٍ ) أَيْ مِلْكًا بَلْ تَمْلِيكًا ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ادَّخَرَ قُوتَ سَنَةٍ لِعِيَالِهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ خَازِنًا قَاسِمًا ، فَلَمَّا وَقَعَ الْمَالُ بِيَدِهِ قَسَمَ لَهُمْ كَمَا قَسَمَ لِغَيْرِهِمْ فَإِنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي الْفَيْءِ “اه
وَقَالَ العلامة ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : يُحْمَلُ حَدِيثُ ” لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ ” عَلَى الِادِّخَارِ لِنَفْسِهِ ، وَحَدِيثُ : ” وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ “ عَلَى الِادِّخَارِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُشَارَكَةٌ ، لَكِنِ الْمَعْنَى أَنَّهُمُ الْمَقْصِدُ بِالِادِّخَارِ دُونَهُ ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدُوا لَمْ يَدَّخِرْ ، انْتَهَى . 
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري” (9/503) : “التقييد بالسنة إنما جاء من ضرورة الواقع ، لأن الذي كان يُدَّخَر لم يكن يحصل إلا من السنة إلى السنة ، لأنه كان إما تمرا وإما شعيرا ، فلو قُدِّر أن شيئا مما يُدَّخَر كان لا يحصل إلا من سنتين إلى سنتين لاقتضى الحال جواز الادخار لأجل ذلك . والله أعلم” انتهى .  
 
قال القسطلاني في إرشاد الساري : ” ( ويحبس لأهله) زوجته وعياله من ذلك ( قوت سنتهم) تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا لأمته ولا يعارضه حديث أنه كان لا يدّخر شيئًا لغد لأنه كان قبل السعة أو لا يدّخر لنفسه بخصوصها” اه
 
ولعل معنى الحديثلا يدخر شيئا من المال مما زاد عن الحاجة – أي من الذهب والفضة وغيرهما –  لا من الطعام الذي لا يقوم البدن الا به.
فقد كان عليه الصلاة والسلام جواد كريم كثير النفقة لا يبقى عنده شيئا من المال كما جاء في صحيح الامام البخاري من حديث ابي هريرة مرفوعا : ” لو كان لي مثلُ أحُدٍ ذهبًا ، ما يسرُّني أن لا يمرَّ عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيءٌ ، إلَّا شيءٌ أرصُدهُ لدَينٍ ” .
استثنى ما يدخره لقضاء الدين لان قضاءه واجب وكذلك الانفاق على الاهل والعيال واجبٌ بالاجماع بقدر ما يكفيهم من الطعام وغيره وِفْقَ العُرفِ.
‏قال الله عز وجل‏:‏ “ويسألونك ماذا ينفقون‏؟‏ قل العفو“.
قال ابن عباس وغيره أن المراد بالعفو : ” ما فضل عن الأهل .
 
ولذا عندما جاءت هند بنت عتبة الى النبي عليه الصلاة والسلام تشتكي زوجها حيث قالت :” يا رسولَ اللهِ ، إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ شحِيحٌ ، وليسَ يُعْطيني ما يَكفيني وولدي إلا ما أخذتُ منه ، وهو لا يعلمُ “، فقالَ : ( خُذي ما يكفيكِ وولدَكِ بالمعروفِ ) . رواه البخاري ومسلم
وايضا حديث ادخار قوت سنة لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام:” اللهم اجعل رزق ال محمد قوتا” وفي رواية أخرى : “كفافا ” أي ما يكفيهم.  وهو عليه الصلاة السلام يدخر لهم ما يكفيهم على مدار السنة .
قال العلامة النووي رحمه الله في شرح الحديث  : أي اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذل المسألة ولا يكون فيه فضول تبعث على الترفه والتبسط في الدنيا.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ”  وَمَعَ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْتَبِسُ قُوتَ سَنَةٍ لِعِيَالِهِ فَكَانَ فِي طُولِ السَّنَةِ رُبَّمَا اسْتَجَرَّهُ مِنْهُمْ لِمَنْ يَرِدُ عَلَيْهِ وَيُعَوِّضُهُمْ عَنْهُ ، وَلِذَلِكَ مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ اقْتَرَضَهُ قُوتًا لِأَهْلِهِ “اه  
والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين .

Visits: 3051