يقول ابن القيم رحمه الله : قالَ تَعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأنْساهم أنْفُسَهم ﴾ [الحشر: ١٩].
فَلَمّا نَسُوا رَبَّهم سُبْحانَهُ نَسِيَهم وأنْساهم أنْفُسَهُمْ، كَما قالَ تَعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧].
فَعاقَبَ سُبْحانَهُ مَن نَسِيَهُ عُقُوبَتَيْنِ:
إحْداهُما: أنَّهُ سُبْحانَهُ نَسِيَهُ.
والثّانِيَةُ: أنَّهُ أنْساهُ نَفْسَهُ.
وَنِسْيانُهُ سُبْحانَهُ لِلْعَبْدِ: إهْمالُهُ، وتَرْكُهُ، وتَخَلِّيهِ عَنْهُ، وإضاعَتُهُ، فالهَلاكُ أدْنى إلَيْهِ مِنَ اليَدِ لِلْفَمِ،
وأمّا إنْساؤُهُ نَفْسَهُ، فَهُوَ: إنْساؤُهُ لِحُظُوظِها العالِيَةِ، وأسْبابِ سَعادَتِها وفَلاحِها، وإصْلاحِها، وما تَكْمُلُ بِهِ بِنَسْيِهِ ذَلِكَ كُلِّهِ جَمِيعِهِ فَلا يَخْطُرُ بِبالِهِ، ولا يَجْعَلُهُ عَلى ذِكْرِهِ، ولا يَصْرِفُ إلَيْهِ هِمَّتَهُ فَيَرْغَبُ فِيهِ، فَإنَّهُ لا يَمُرُّ بِبالِهِ حَتّى يَقْصِدَهُ ويُؤْثِرَهُ.
وَأيْضًا فَيُنْسِيهِ عُيُوبَ نَفْسِهِ ونَقْصَها وآفاتِها، فَلا يَخْطُرُ بِبالِهِ إزالَتُها.
وَأيْضًا فَيُنْسِيهِ أمْراضَ نَفْسِهِ وقَلْبِهِ وآلامَها، فَلا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ مُداواتُها، ولا السَّعْيُ في إزالَةِ عِلَلِها وأمْراضِها الَّتِي تَئُولُ بِها إلى الفَسادِ والهَلاكِ، فَهو مَرِيضٌ مُثْخَنٌ بِالمَرَضِ، ومَرَضُهُ مُتَرامٍ بِهِ إلى التَّلَفِ، ولا يَشْعُرُ بِمَرَضِهِ، ولا يَخْطُرُ بِبالِهِ مُداواتُهُ، وهَذا مِن أعْظَمِ العُقُوبَةِ العامَّةِ والخاصَّةِ.
فَأيُّ عُقُوبَةٍ أعْظَمُ مِن عُقُوبَةِ مَن أهْمَلَ نَفْسَهُ وضَيَّعَها، ونَسِيَ مَصالِحَها وداءَها ودَواءَها، وأسْبابَ سَعادَتِها وفَلاحِها وصَلاحِها وحَياتِها الأبَدِيَّةِ في النَّعِيمِ المُقِيمِ؟
ومَن تَأمَّلَ هَذا المَوْضِعَ تَبَيَّنَ لَهُ أنَّ أكْثَرَ هَذا الخَلْقِ قَدْ نَسُوا حَقِيقَةَ أنْفُسِهِمْ وضَيَّعُوها وأضاعُوا حَظَّها مِنَ اللَّهِ، وباعُوها رَخِيصَةً بِثَمَنٍ بَخْسٍ بَيْعَ الغَبْنِ، وإنَّما يَظْهَرُ لَهم هَذاعِنْدَ المَوْتِ، ويَظْهَرُ هَذا كُلَّ الظُّهُورِ يَوْمَ التَّغابُنِ ” اه الداء والدواء
Visits: 67