يَرُدُّون الدِّين الحق لِمَا يَرَوْنَهُ من تقلُّب الكفّار بمُتع الدنيا ورفاهية المعيشة

Home / التفسير / يَرُدُّون الدِّين الحق لِمَا يَرَوْنَهُ من تقلُّب الكفّار بمُتع الدنيا ورفاهية المعيشة
يَرُدُّون الدِّين الحق لِمَا يَرَوْنَهُ من تقلُّب الكفّار بمُتع الدنيا ورفاهية المعيشة
قال الله تعالى مخبرا عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل: ” وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا “ [الفرقان:8]. 
قال الامام البغوي-  رحمه الله – وما قالوه فاسد; لأن أكله الطعام لكونه آدميا ، ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفة له ، وشيء من ذلك لا ينافي النبوة .  لولا أنزل إليه مَلَك   فيصدقه ،  فيكون معه نذيرا  داعيا .  أو يلقى إليه كنز  أي : ينزل عليه كنز من السماء ينفقه ، فلا يحتاج إلى التردد والتصرف في طلب المعاش .” وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا  مخدوعا . وقيل : مصروفا عن الحق .  “ انظر  يا محمد  ،  كيف ضربوا لك الأمثال   يعني الأشباه ، فقالوا : مسحور ، محتاج ، وغيره ،   فضلُّوا  عن الحق ،  فلا يستطيعون سبيلا   إلى الهدى ومخرجا عن الضلالة .
قال الامام الوزير ابن هبيرة رحمه الله : ” العجب لجهلهم حين أرادوا أن يلقى إليه كنز أو تكون له جنة . ولو فهموا علموا أن كل الكنوز له وجميع الدنيا ملكه . أوليس قد قهر أرباب الكنوز ، وحكم في جميع الملوك ؟ وكان من تمام معجزاته أن الأموال لم تفتح عليه في زمنه ؛ لئلا يقول قائل قد جرت العادة بأن إقامة الدول ، وقهر الأعداء بكثرة الأموال ، فتمت المعجزة بالغلبة والقهر من غير مال ، ولا كثرة أعوان ، ثم فتحت الدنيا على أصحابه ، ففرقوا ما جمعه الملوك بالشره ،فأخرجوه فيما خلق له ،ولم يمسكوه إمساك الكافرين ، ليعلموا الناس بإخراج ذلك المال : أن لنا داراً سوى هذه ، ومقراً غير هذا .  وكان من تمام المعجزات للنبي عليه الصلاة والسلام : أنه لما جاءهم بالهدى فلم يقبل ، سلّ السيف على الجاحد ، ليعلمه أن الذي ابتعثني قاهر بالسيف بعد القهر بالحجج .  ومما يقوي صدقه أن قيصر وكبار الملوك لم يوفقوا للإيمان به ؛ لئلا يقول قائل : إنما ظهر لأن فلان الملك تعصب له فتقوى به ، فبان أن أمره من السماء لا بنصرة أهل الأرض .
وقال أيضا  ابن هبيرة رحمه الله : تدبرتُ قوله تعالى:” لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ “.فرأيت لها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته ويسلِّم الأمر إلى مالكه.
والثاني: أنه يعلم أنه لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده. فإذا علمتَ أنتَ أن هذا المخلوق مهما بلغ من السلطان والقوة والهيمنة والبطش لا قوة له إلا من الله، فإذا خفت من الله، كفاك هذا المخلوق.
والثالث: أنه ردٌ على الفلاسفة والطبائعيّين الذين يدَّعون القوى في الأشياء بطبعها، فإن هذه الكلمة بيَّنت أن القوة لا تكون إلا بالله، ولولا الله ما كان هذا الشيء قوياً، فمصدر قوة الحديد وقوة الأسد وقوة الرجل صاحب البطش و لبسطة في الجسد من الله، لولا الله ما كان هذا.
وقد ادعى قوم نوح أن نوحا لو كان حقا رسولا من عند الله لاتبعه الاغنياء والوجهاء ، فقالوا:  وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْي” .قال بعض المفسرين:” والمراد منه قلة مالهم وقلة جاههم؛ ودناءة حرفهم وصناعتهم هذا أيضا جهل، لأن الرفعة في الدين لا تكون بالحسب والمال والمناصب العالية، بل الفقر أهون على الدين من الغنى ، بل نقول : الأنبياء ما بعثوا إلا لترك الدنيا والإقبال على الآخرة فكيف تجعل قلة المال في الدنيا طعنا في النبوة والرسالة ؟ .

Visits: 46