یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ جَـٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱغۡلُظۡ عَلَیۡهِمۡۚ

Home / الرئيسية / یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ جَـٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱغۡلُظۡ عَلَیۡهِمۡۚ
یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ جَـٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱغۡلُظۡ عَلَیۡهِمۡۚ

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ جَـٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱغۡلُظۡ عَلَیۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ﴾ [التوبة ٧٣]

لَمّا كانَ الجِهادُ ذِرْوَةَ سَنامِ الإسْلامِ وقُبَّتَهُ، ومَنازِلُ أهْلِهِ أعْلى المَنازِلِ في الجَنَّةِ، كَما لَهُمُ الرِّفْعَةُ في الدُّنْيا، فَهُمُ الأعْلَوْنَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في الذِّرْوَةِ العُلْيا مِنهُ، واسْتَوْلى عَلى أنْواعِهِ كُلِّها فَجاهَدَ في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ بِالقَلْبِ والجِنانِ والدَّعْوَةِ والبَيانِ والسَّيْفِ والسِّنانِ، وكانَتْ ساعاتُهُ مَوْقُوفَةً عَلى الجِهادِ بِقَلْبِهِ ولِسانِهِ ويَدِهِ. ولِهَذا كانَ أرْفَعَ العالَمِينَ ذِكْرًا، وأعْظَمَهم عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا.
وَأمَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِالجِهادِ مِن حِينِ بَعْثِهِ، وقالَ: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا في كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلا تُطِعِ الكافِرِينَ وجاهِدْهم بِهِ جِهادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٢]، فَهَذِهِ سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ أمَرَ فِيها بِجِهادِ الكُفّارِ بِالحُجَّةِ والبَيانِ وتَبْلِيغِ القُرْآنِ، وكَذَلِكَ جِهادُ المُنافِقِينَ إنَّما هو بِتَبْلِيغِ الحُجَّةِ، وإلّا فَهم تَحْتَ قَهْرِ أهْلِ الإسْلامِ، قالَ تَعالى: ﴿ياأيُّها النَّبِيُّ جاهِدِ الكُفّارَ والمُنافِقِينَ واغْلُظْ عَلَيْهِمْ ومَأْواهم جَهَنَّمُ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾
فَجِهادُ المُنافِقِينَ أصْعَبُ مِن جِهادِ الكُفّارِ، وهو جِهادُ خَواصِّ الأُمَّةِ ووَرَثَةِ الرُّسُلِ، والقائِمُونَ بِهِ أفْرادٌ في العالَمِ، والمُشارِكُونَ فِيهِ والمُعاوِنُونَ عَلَيْهِ وإنْ كانُوا هُمُ الأقَلِّينَ عَدَدًا فَهُمُ الأعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا.
وَلَمّا كانَ مِن أفْضَلِ الجِهادِ قَوْلُ الحَقِّ مَعَ شِدِّةِ المُعارِضِ، مِثْلَ أنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ عِنْدَ مَن تَخافُ سَطْوَتَهُ وأذاهُ، كانَ لِلرُّسُلِ – صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وسَلامُهُ – مِن ذَلِكَ الحَظُّ الأوْفَرُ، وكانَ لِنَبِيِّنا – صَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ – مِن ذَلِكَ أكْمَلُ الجِهادِ وأتَمُّهُ.
وَلَمّا كانَ جِهادُ أعْداءِ اللَّهِ في الخارِجِ فَرْعًا عَلى جِهادِ العَبْدِ نَفْسَهُ في ذاتِ اللَّهِ، كَما قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «المُجاهِدُ مَن جاهَدَ نَفْسَهُ في طاعَةِ اللَّهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ»
كانَ جِهادُ النَّفْسِ مُقَدَّمًا عَلى جِهادِ العَدُوِّ في الخارِجِ، وأصْلًا لَهُ، فَإنَّهُ ما لَمْ يُجاهِدْ نَفْسَهُ أوَّلًا لِتَفْعَلَ ما أُمِرَتْ بِهِ وتَتْرُكَ ما نُهِيَتْ عَنْهُ ويُحارِبُها في اللَّهِ لَمْ يُمْكِنْهُ جِهادُ عَدُوِّهِ في الخارِجِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ جِهادُ عَدُوِّهِ والِانْتِصافُ مِنهُ وعَدُوُّهُ الَّذِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ قاهِرٌ لَهُ مُتَسَلِّطٌ عَلَيْهِ لَمْ يُجاهِدْهُ ولَمْ يُحارِبْهُ في اللَّهِ، بَلْ لا يُمْكِنُهُ الخُرُوجُ إلى عَدُوِّهِ حَتّى يُجاهِدَ نَفْسَهُ عَلى الخُرُوجِ.

Visits: 68