بسم الله الرحمن الرحيم
لا تشرع الاستعاذة ولا البسملة عند إيراد الآية من القرآن على وجه الاستدلال والاحتجاج بها ، وإنما يقول : قال الله تعالى ، ونحو ذلك ؛ ليميز كلام الله عن غيره من الكلام ، وعلى ذلك دلت السنة الصحيحة المتواترة :
روى البخاري (3339) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ، هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ : هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ لاَ ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ : مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) وَالوَسَطُ العَدْلُ .
وروى البخاري (1648)، ومسلم (1278) عن عَاصِم قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ قَالَ : “ نَعَمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الجَاهِلِيَّةِ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ : ( إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ).
– وروى البخاري (3244) ، ومسلم (2824) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ ( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ) فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) .
انظر : لم يذكر النبي عليه الصلاة والسلام البسملة ولا الاستعاذة عند الاستشهاد أو الاستدلال بالاية وكذلك فعل أصحابه من بعده ولو كان ذكر البسملة والاستعاذة في هذا الموضع خيرا لسبقونا اليه ، فكل خير في اتباع من سلف .
قال العلامة الحافظ السيوطي رحمه الله :
” الصواب الاقتصار على إيراد الآية من غير استعاذة ، اتباعا للوارد في ذلك ، فإن الباب باب اتباع ، والاستعاذة المأمور بها في قوله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) : إنما هي عند قراءة القرآن للتلاوة ، أما إيراد آية منه للاحتجاج والاستدلال على حكم : فلا ” انتهى من “الحاوي” (1/ 353)
قال العلامة الفقيه ابن عثيمين رحمه الله :
” فإن قال قائل: لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
” فإن قال قائل: لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
فالجواب : أن هذه الآية لا يراد بها التلاوة ، وإنما يراد بها الاستدلال ، والآية الكريمة : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) يعني للتلاوة ، وأحاديث كثيرة من هذا النوع يُذكر فيها الاستشهاد بالآيات ، ولا يذكر فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
فما قصد به الاستدلال : فإنه لا يتعوّذ فيه ، بخلاف ما قصد فيه التلاوة، والآية ظاهرة: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
وهذا يدل على أن المستدل والخطيب والكاتب : لا يستعيذ ولا يبسمل، وإنما يكتفي بــ ” قال الله تعالى ” ، أو ما أشبه ذلك، مما يميز القرآن الكريم عن غيره ” انتهى من ” شرح الأربعين النووية ” (ص 301) .
فما قصد به الاستدلال : فإنه لا يتعوّذ فيه ، بخلاف ما قصد فيه التلاوة، والآية ظاهرة: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
وهذا يدل على أن المستدل والخطيب والكاتب : لا يستعيذ ولا يبسمل، وإنما يكتفي بــ ” قال الله تعالى ” ، أو ما أشبه ذلك، مما يميز القرآن الكريم عن غيره ” انتهى من ” شرح الأربعين النووية ” (ص 301) .
قال الامام الألباني ـرحمه الله (في سلسلة الهدى والنور الشريط 26 بعد الدقيقة الأولى) :
“الاستعاذة ـ يجب أن تعلموا ـ أنها تشرع بين يدي التلاوة , أما الاستعاذة بين يدي الاستشهاد بالآية فبدعة خلاف السنة , لا حظوا إذا قرأتم أحاديث يستدل الرسول بها بآية لا تجدونه يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” ا.هـ
“الاستعاذة ـ يجب أن تعلموا ـ أنها تشرع بين يدي التلاوة , أما الاستعاذة بين يدي الاستشهاد بالآية فبدعة خلاف السنة , لا حظوا إذا قرأتم أحاديث يستدل الرسول بها بآية لا تجدونه يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” ا.هـ
قال ابن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير” عند تفسيره لقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) :” وَعَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا فَالِاسْتِعَاذَةُ مَشْرُوعَةٌ لِلشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ لِإِرَادَتِهِ، وَلَيْسَتْ مَشْرُوعَةً عِنْدَ كُلِّ تَلَفُّظٍ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ،كَالنُّطْقِ بِآيَةٍ أَوْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي التَّعْلِيمِ أَوِ الْمَوْعِظَةِ أَوْ شِبْهِهِمَا، خِلَافًا لِمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُتَحَذِّقِينَ إِذَا سَاقَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْقِرَاءَةِ أَنْ يَقُولَ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَيَسُوقُ آيَةً “ .اهـ
والحمد لله رب العالمين .
Visits: 170