المعلوم من الذل المحمود والذل المذموم

Home / الزهد و الرقائق / المعلوم من الذل المحمود والذل المذموم
المعلوم من الذل المحمود والذل المذموم
الذُّل المحمود وهو على قسمين  :
1- الذُّل والانكسار لله العزيز الغفار : وهذا الذُّل هو الغنى العالي والعز والشرف والنصر في الدنيا والآخرة .
قال عمر بن عبد العزيز : (لا يتقي اللهَ عبدُ حتى يجد طعم الذل[روضة العقلاء،لابن حبان البستى] .
وقال الذهبي : (من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما : غاية الحب مع غاية الذُّل هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين، فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه في خالص حقه[العرش] .
2- الذُّل للمؤمنين : وهو بمعنى التراحم والتواضع والعطف، وليس بمعنى التذلل والانكسار على وجه الضعف والخور . 
 قال ابن كثير : ” قوله تعالى : ” أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ” هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه” [تفسير القرآن العظيم]
قال الراغب الأصفهاني : (الذُّل متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود، نحو قوله تعالى : ” أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ”  
قال الامام ابن القيم : (لما كان الذُّل منهم ذلَّ رحمة وعطف وشفقة وإخبات عدَّاه بأداة على تضمينًا لمعاني هذه الأفعال . فإنَّه لم يرد به ذلَّ الهوان الذي صاحبه ذليل. وإنما هو ذلُّ اللين والانقياد الذيصاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول[مدارج السالكين] .
 

الذُّل المذموم : وهو التذلل لغير الله على وجه الهوان والضعف والصغار والانكسار والذلة .  ومن أسباب الوقوع فيه :

1- الإشراك بالله تعالى والابتداع في الدين :قال تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ “.  قال الامام الشاطبي : ” كلُّ من ابتدع في دين الله، فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي عزُّه وجبروته، فهم في أنفسهم أذلاء“) [الاعتصام] .

2- محاربة الله ورسوله ومخالفة أمرهما : قال تعالى :  إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ  لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذُّل بهذا المكان ،  قال عطاء بن أبي رباح : يريد الذُّل في الدنيا والخزي في الآخرة

3- النفاق والاعتزاز بغير الله سبحانه وتعالى : قال تعالى : “ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ 

4– المعاصي وتسويف التوبة : قال تعالى : ” ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ ” . قال الحسن البصري : ” أما والله، لئن تدقدقت بهم الهماليج ووطئت الرحال أعقابهم، إنَّ ذل المعاصي لفي قلوبهم، ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله “ .

5- الكبر والأنفة عن قبول الحق :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذُّل من كلِّ مكان)
قال ابن القيم : (من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفًا ورجاءً والتجاءً واستعانةً، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه[الداء والدواء] .  

 6- اتباع الهوى :قال تعالى : ” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ”   قال ابن تيمية : ” من قهره هواه ذلَّ وهان، وهلك وباد” [غذاء الألباب،للسفارينى]       وقال ابن القيم : (لكلِّ عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذُّل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به في قلبه[روضة المحبين] .

Visits: 1061