تحقيق مسألة الإسرار بالبسملة في الصلاة الجهرية

Home / الفقه / تحقيق مسألة الإسرار بالبسملة في الصلاة الجهرية
تحقيق مسألة الإسرار بالبسملة في الصلاة الجهرية
بسم الله الرحمن الرحيم
في الصحيح من حديث عن أنس رضي الله عنه قال: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم” رواه مسلم برقم (399).
وفي رواية أخرى عند مسلم عن أنس أيضا : ” صلَّيْتُ خلفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يَسْتَفْتِحون ب الحمدِ للهِ رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أولِّ قراءةٍ ، ولا في آخرِها ” .
وروى ابن خزيمة في صحيحه من حديث أنس قال: “صليتُ خَلْفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ فلم يَجهروا ببسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ (495).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين…... ” رواه مسلم برقم(498).
قال ابن عبد البر-المالكي- رحمه الله: “واتفق أبو حنيفة والثوري على أن الإمام يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول فاتحة الكتاب سراً، ويخفيها في صلاة الجهر وغيرها يخصها بذلك.                                                                        
وروي مثل ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير، وهو قول الحكم وحماد.
وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد، وروي عن الأوزاعي مثل ذلك.
وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل يقرؤها مع أم القرآن في كل ركعة سراً، إلا أن ابن أبي ليلى قال: إن شاء جهر بها، وإن شاء أخفاها.  وقال سائرهم : يخفيها.
والشافعي رحمه الله قال : ” يجهر بالبسملة في الجهر ويُسَّرُ بها في السِّرِ ”  
ومن الشافعية من رجح الامرين كالسيوطي مثلا رحمه الله بعد أن ذكر الألفاظ المثبتة والألفاظ النافية: “وكلا الأمرين صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بها، وترك قراءتها، وجهر بها وأخفاها“.
ومذهب الجماهير الإسرار بالبسملة – (وهو الحق والوسط بين الذين قالوا بعدم قراءتها بتاتا والذين قالوا بالجهر بها  ) ومذهب الشافعي الجهر بها.
واحتجّ الشافعي رحمه الله بحديث أنس رضي الله عنه قال : ”  صلَّى مُعاويةُ بالمدينةِ صلاةً ، فجهَر فيها بالقراءةِ ، فقرَأ : ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) لأمِّ القرآنِ ، ولم يقرَأْ بها للسورةِ التي بعدَها حتى قضى تلك القراءةَ ، ولم يُكبِّرْ حتى قَضى تلك ، فلما سلَّم ناداه مَن شهِد ذلك منَ المهاجرينَ من كلِّ مكانٍ : يا مُعاويةُ : أسرَقْتَ الصلاةَ ، أم نَسيتَ ؟ فلما صلَّى بعدَ ذلك قرَأ     ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) للسورةِ التي بعدَ أمِّ القرآنِ ، وكبَّر حين يَهوي ساجدًا”. ورواه الحاكم والدارقطني.
وهذه أقوال علماء الحديث في هذا الحديث :
1-البدر العيني في – عمدة القاري- قال  : “ مداره على عبدالله بن عثمان لكنه متكلم فيه أحاديثه غير قوية مع أن إسناده مضطرب وهو أيضاً شاذ معلل.                  
فإنه مخالف لما رواه الثقات الأثبات عن أنس، وكيف يري أنس بمثل حديث معاوية هذا محتجاً به، وهو مخالف لما رواه عن النبي وعن الخلفاء الراشدين، ولم يعرف أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك.                          
ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنساً كان مقيماً بالبصرة، ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنساً كان معه، بل الظاهر أنه لم يكن معه .                              
 وأيضاً أن مذهب أهل المدينة قديماً وحديثاً ترك الجهر بها، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلاً .
قال عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة: أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا بالحمد لله رب العالمين.                  
ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا بشيء يسير، وله محمل، وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أولهم، فكيف ينكرون على معاوية ما هو سنتهم وهذا باطل” انتهى كلامه رحمه الله
2- الزيلعيُّ في- نصب الراية – قال :” ضعيف باطل“.
3- ابن رجب الحنبلي في كتابه –  فتح الباري –  قال : ” في إسناده عبد الله بن عثمان بن خثيم، وقد تفرد به، وليس بالقوي ” .
4- الالباني في كتابه – أصل صفة صلاة النبي – قال : ” اضطرب في روايته إسنادا ومتنا ” .
فالحديث ضعيف  لم يثبت ويخالف ما ثبت من الاحاديث الصحيحة السابقة الذكر عن أنس رضي الله عنة .
ومذهب الشيعة الجهر بالبسملة ولهذا ترى من خُبث الرافضة في مواقعهم – قبحهم الله – أنهم يتخذون من هذا الحديث مطيّةً للطعن في معاوية رضي الله عنه وفي أهل السنة  فيقولون : ” خالكم الباغي معاوية يسرق من الصلاة فهل أنتم مثله ” .              
وأيضا يجعلون عناوينًا في مواقعهم: معاوية وسرقة الصلاة ! ” .  ( كموقع “أنصار الحسين ” والحسين وأبوه رضي الله عنهما بريئان منهم ومن أعمالهم ) .
والشافعي رحمه الله الذي بلغه من حديث أنس هي رواية : ” كانوا يستفتحون ب {الحمد لله رب العالمين} ” فحمله على أن أنساً رضي الله عنه، أراد أن يقول إن النبي وصاحبيه كانوا يقرأون الفاتحة قبل ما تيسر من القرآن .                    
ولعل الامام الشافعي لم تبلغه الروايات الاخرى عن أنس التي تُفَسِّر قوله هذا.
فعن الشافعي رحمه الله قال: كل مسألة يصح فيها الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند  أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد مماتي                                                       
ونقل – الجويني- في نهايته، عن الشافعي أنه قال:  ” إذا صح خبر يخالف مذهبي فاتبعوه، واعلموا أنه مذهبي ”  .                                                                          
وقد ردَّ عليه جماهير العلماء براويات أخرى صريحة بالاسرار بالبسملة الثابتة في صحيح الإمام مسلم عن أنس المذكورة أعلاه (في أول هذه الرسالة ).
إذن ليس الكلام كما وجهه الشافعي رحمه الله، فمذهب الجماهير أبي حنيفة ومالك و أحمد أنه لا يستحب للامام أن يجهر ب “بسم الله الرحمن الرحيم” .                    
 حتى أن الإمام مالكاً رحمه الله لما قيل له إن فلاناً ينكر على من لم يجهر بالبسملة فغضب، وقال: ” سبحان أيريد أن يذبح؟
ووردت أحاديث صريحة بالجهر لكنها لم تثبت منها:  
1-عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم“.قال العلامة بدر الدين العيني رحمه الله على هذا الحديث: “هذا غير صريح ولا صحيح، أما أنه غير صريح فلأنه ليس فيه أنه في الصلاة، وأما أنه غير صحيح فلأن عبد الله بن عمرو بن حسان كان يضع الحديث قاله إمام الصنعة علي بن المديني، وقال أبو حاتم: ليس بشيء كان يكذب” اه.
2-وأيضا ما رواه الدارقطني رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ”                                                                       
 قال البدر العيني : ” وهذا باطل من هذا الوجه لم يحدِّث به ابن أبي فديك قط، والمتهم به أحمد بن عيسى أبو طاهر القرشي، وقد كذبه الدارقطني فيكون كاذباً في روايته عن مثل هذا الثقة.
3-وما رواه الخطيب البغدادي عن عبادة بن زياد الأسدي حدثنا يونس بن أبي يعفور العبدي عن المعتمر بن سليمان عن أبي عبيدة عن مسلم بن حيان قال: “صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين، فقيل له، فقال: “صليت خلف رسول الله حتى قبض، وخلف أبي بكر حتى قبض، وخلف عمر حتى قبض؛ فكانوا يجهرون بها في السورتين فلا أدع الجهر بها حتى أموت” . قال البدر العيني –رحمه الله – : هذا أيضاً باطل.  
قال أبو حاتم الرازي : عبادة بن زياد- بفتح العين كان من رؤوس الشيعة  
وقال الحافظ محمد النيسابوري : هو مجمع على كذبه. وشيخه يونس ضعفه النسائي وابن معين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ليس في الجهر بها حديث صريح، ولم يرو أهل السنن المشهورة كأبي داود والترمذي والنسائي شيئاً من ذلك،   وإنما يوجد الجهر بها صريحاً في أحاديث موضوعة يرويها الثعلبي والماوردي وأمثالهما في التفسير، أو في بعض كتب الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره، بل يحتجون بمثل حديث الحميراء”                                              
 وقال أيضا رحمه الله: “والموضوعات في كتب التفسير كثيرة مثل الأحاديث الكثيرة الصريحة في الجهر بالبسملة“.
وقال العلامة الألباني رحمه الله: “والحق أنه ليس في الجهر بالبسملة حديث صريح صحيح، بل صح عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بها من حديث أنس، وقد وقفت له على عشرة طرق ذكرتها في تخريج كتابي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم“.                                                                               
وقال الامام ابن باز رحمه الله: السنة عدم الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية، وإن جهر بعض الأحيان فلا حرج ليعلم المأموم أنه يٌسَمِّي “.
ووقع ايضا خلاف هل البسملة اية من الفاتحة أم لا والصواب أنها أية منها لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام عند الحاكم في مستدركه من حديث ابي هريرة مرفوعا : ” إذا قرأْتُمُ الْحَمْدُ لِلَّهِ فاقرؤُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّها أمُّ القرآنِ ،وأمُّ الكتابِ والسَّبْعُ المَثَانِي ، و بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِحْدَى آياتِها ” صحيح الجامع (729).
نسأل الله تبارك وتعالى أن يبصرنا والمسلمين جميعاً بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يرزقنا اتباعه ظاهراً وباطناً إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه والتابعين.

Visits: 1110