ٌُبسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحكمةَ والخُلُقَ من أكثر المصطلحات التي حُرِّفَ معناها في هذا الزمان حتى استفحلَ اللَّبْسٌ واشتدَّ تلاعبُ الشيطان.
ولقد استغل أهل الأهواء هذين المصطلحين الجميلين في تمرير باطلهم وترويج بضاعتهم على الناس.
ولو نظرنا إلى الخُلُق والحِكمة في ميزان الشرع وقِسطاس الهدي النبوي لوجدنا مقصودهما : وضع الشيء في موضعه . فلا بد من جمع الأدلة الصحيحه الواردة في الباب حتى يظهر الحكم ويستبين المعنى .
وكم زلت أقدامٌ في مثل هذه المسائل بسبب الجهل أو بدافع الهوى فتردى المرءُ في وادٍ من الإفراط أو وادٍ من التفريط ، أو بعبارة أخرى : في وادٍ من الغلو أو وادٍ من التمييع ، ولا يبالي الشيطان بأيهما ظفر ، والله المستعان .
والوسطية هي الاعتدال وأهل السنة المحضة أحقُّ الناس بها وهم أهلُها ، لأنهم أربابُ الخُلُق الصافي من الكدر وأولوا الحكمة السليمة من الضرر – أعلم الناس بالحق وأرحم الناس بالخلق – ، حُجَجُهُم دَامِغَة سَاطِعَه ، ومِحَجَّتُهُم بيضاء نَاصِعَه ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تأتي القارعه.
ونظير ذلك الرحمة : فإنما تأتي من صاحب السنة المحضة ، لأن الرحمة صفة تقتضى إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وشقت عليها. فهذه هى الرحمة الحقيقية . فأرحم الناس بك من شَقُ عليك في إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك.
فالسني المُسْتبصر يعلم أنَّ قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : “ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ” داخل في وصفه تعالى له : “ وإنك لعلى خلق عظيم ” وكذا في وصف رسالته : “ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” . فلا يَضْرِبُ النصوص ببعضها ، أو يُعْمِلُ البعض ويُهْمِلُ الأخرى إنما يضع كُلًّا منها في موضعه .
وجهاد أهل البدع والشبهات داخل في جهاد المنافقين لما بينهما من الشَبَه ولأنهم يهدمون الدين من الداخل وهم يلبسون لباس الاسلام ويرفعون شعار الاسلام ، فالفتنة بهم أشد ، وضررهم أعظم ، لأنهم يفسدون القلوب ابتداءا ، فالغلظة والشدة على أهل الأهواء داخلة في الرحمة التي كان عليها السلف أما الذي يغضب لهم ويدافع عنهم بدافع الرحمة فرحمته مزيفة وهو غاش لنفسه ولغيره وقد كشف حقيقة أمره .
وجهادُ المنافقين وأهل البدع المضلين أخصُّ باللسان , ويحتاج إلى علم وبيان .
قال الامام ابن القيم رحمه الله : ” وجهادُ المنافقين أصعبُ مِن جهاد الكفار، وهو جهادُ خواصِّ الأمة، وورثةِ الرُّسل، والقائمون به أفرادٌ في العالَم، والمشارِكُون فيه، والمعاونون عليه، وإن كانوا هُم الأقلين عدداً، فهم الأعظمون عند الله قدراً“.
– قال أبو توبة: حدثنا أصحابنا أن ثوراً لقي الأوزاعي فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال: ” يا ثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ولكنه الدين “. [السير (11/ 344)].
– وقال صالح بن أحمد: جاء الحزامي إلى أبي وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خرج إليه ورآه، أغلق الباب في وجهه ودخل. (مناقب الإمام أحمد )
هذه هي أخلاق السلف العالية ومواقفهم السامية – والتي ما نحن منها إلاّ كبَقْلٍ في أُصولِ نَخْلٍ طُوالٍ – جعلوا حبهم وبغضهم وقربهم وبعدهم لله جل في علاه ولدينه
لا لأنفسهم ومصالحهم وأهوائهم ثم أخرجوا ذلك بقالب الأخلاق والحكمة المزيفة .
ومن كان ضعيفا في هذا الباب فلا ينبغي له أن يخذل أخاه الذي وفقه الله للعمل بما عمل به أئمة السنة بل ينغي أن يغبطه على ذلك ويناصره على قدر استطاعة ، والله الموفق .
ولذا فإن أحسن الناس خُلُقا وأعظمهم حكمةً من نظر في خزائن السَُنَة وما كان عليه سلف الأمة فتناول ما أعملوه فيما هو فيه فأخذ به عملا أو اعتقادا ثم لم يبال بما يُقال فيه ولا يلتفت إلى كثرة عَاذليه ، فإنَّ الله حَسْبُهُ وهو كافيه .
والله اعلم والحمد لله رب العالمين .
Visits: 102