شَرُّ الدوابّ عند الله

Home / التفسير / شَرُّ الدوابّ عند الله
شَرُّ الدوابّ عند الله
 قال الإمام السعدي رحمه الله
وقوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) … يقول تعالى : “ إن شر الدواب عند الله ” من لم تفد فيهم الآيات والنذُر ، وهم ” الصم ” عن استماع الحق “ البكم ” عن النطق به ، ” الذين لا يعقلون ” ما ينفعهم ، ويؤثرونه على ما يضرهم . فهؤلاء شر عند الله ، من شرار الدواب ، لأن الله أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ليستعملوها في طاعة الله ، فاستعملوها في معاصيه وعدموا ـ بذلك ـ الخير الكثير . فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية ، فأبوا هذا الطريق ، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية . والسمع الذي نفاه الله عنهم ، سمع المعنى المؤثر في القلب ، وأما سمع الحجة ، فقد قامت حجة الله تعالى عليهم ، بما سمعوه من آياته ، وإنما لم يسمعهم السماع النافع ، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته . ” ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم ” على الفرض والتقدير ” لتولوا ” عن الطاعة ” وهم معرضون ” لا التفات لهم إلى الحق ، بوجه من الوجوه . وهذا دليل على أن الله تعالى لا يمنع الإيمان والخير ، إلا عمن لا خير فيه ، والذي لا يزكو لديه ، ولا يثمر عنده . وله الحمد تعالى والحكمة في هذا .
– 
وقوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) … يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو : الاستجابة لله وللرسول ، أي : الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك ، والدعوة إليه ، والاجتناب لما نهيا عنه ، والانكفاف عنه ، والنهي عنه . وقوله ” إذا دعاكم لما يحييكم ” وصف ملازم ، لكل ما دعا الله ورسوله إليه ، وبيان لفائدته وحكمته ، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى ، ولزوم طاعته ، وطاعة رسوله ، على الدوام . ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال : ” واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ” فإياكم أن تردوا أمر الله ، أول ما يأتيكم ، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك ، وتختلف قلوبكم فإن الله يحول بين المرء وقلبه ، يقلب القلوب حيث شاء ، ويصرفها أنى شاء . فليكثر العبد من قول : « يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، يا مصرف القلوب ، اصرف قلبي إلى طاعتك » . ” وأنه إليه تحشرون ” أي : تجمعون ليوم لا ريب فيه ، فيجازى المحسن بإحسانه ، والمسيء بعصيانه ….

Visits: 121