
وكثيرا ما تكون الآلام أسبابا للصحة لولا تلك الآلام لفاتت وهذا شأن أكبر امراض الأبدان.
فهذه الحمى فيها من المنافع للأبدان مالا يعلمه إلا الله وفيها من إذابة الفضلات وإنضاج المواد الفجة وإخراجها ما لا يصل إليه دواء غيرها
وكثير من الأمراض إذا عرض لصاحبها الحمى استبشر بها الطبيب.
وأما انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض فأمر لا يحس به إلا من فيه حياة.
فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها .
وقد أحصيت فوائد الأمراض فزادت على مائة فائدة .
وقد حجب الله سبحانه أعظم اللذات بأنواع المكاره وجعلها جسرا موصلا إليها كما حجب اعظم الآلام بالشهوات واللذات وجعلها جسرا موصلا إليها
ولهذا قالت العقلاء قاطبة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم وأن الراحة لا تنال بالراحة وأن من آثر اللذات فاتته اللذات .
فهذه الآلام والأمراض والمشاق من أعظم النعم إذ هي أسباب النعم .
وما ينال الحيوانات غير المكلفة منها فمغمورٌ جداً بالنسبة إلى مصالحها ومنافعها كما ينالها من حر الصيف، وبرد الشتاء، وحبس المطر والثلج، وألم الحمل والولادة، والسعي في طلب أقواتها وغير ذلك.
ولكن لذاتها أضعافُ أضعافِ آلامها، وما ينالها من المنافع والخيرات أضعاف ما ينالها من الشرور والآلام؛ فسُنَّتُه في خلقه وأمره هي التي أوجبها كمالُ علمه وحكمته وعزته.
ولو اجتمعـت عقول العقلاء كلهم علـى أن يقترحوا أحسن منها لعجزوا عن ذلك، وقيل لكلٍّ منهم: ارجع بصر العقل فهل ترى من خلل؟
[ثُمَّ ارْجِع الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ]سورة الملك:4،
وبعدُ فاللذةُ والسرورُ، والخيرُ والنعمُ، والعافيةُ والصحةُ والرحمةُ في هذه الدار المملوءة بالمحن والبلاء ـ أكثرُ من أضدادها بأضعافٍ مضاعفة ” اه شفاء العليل ص 498-500
Hits: 20