وقال ابن القيم رحمه الله :
” قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره :
فالغني الذى له مال كثير ، ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه : فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذي يهاب العدوُ سطوتَه : وقوفُه في الصف ساعة ، وجهادُه أعداءَ الله : أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .
والعالِمُ الذي قد عرف السنة ، والحلال والحرام ، وطرق الخير والشر : مخالطتُه للناس وتعليمُهم ونصحُهم في دينهم: أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح.
وولىُّ الأمر الذى قد نصبه الله للحكم بين عباده : جلوسُه ساعةً للنظر في المظالم ، وإنصاف المظلوم من الظالم ، وإقامة الحدود ، ونصر المحق ، وقمع المبطل : أفضل من عبادة سنين من غيره.
ومن غلبت عليه شهوة النساء : فصومُه ـ له ـ أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته .
وتأمل تولية النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله، وترك تولية أبى ذر، بل قال له: (إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تَأَمَّرن على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم) .
وأمر غيره بالصيام وقال: (عليك بالصوم فإنه لا عِدل له) ، وأمر آخر بأن لا يغضب، وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله .
ومتى أراد الله بالعبد كمالا ، وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له، قابل له، قد هُيئ له، فإذا استفرغ وسعه ، علا غيره وفاق الناس فيه .
وهذا كالمريض الذى يشكو وجع البطن مثلا، إذا استعمل دواء ذلك الداء : انتفع به، واذا استعمل دواء وجع الرأس : لم يصادف داءه .
فالشح المطاع ـ مثلا ـ من المهلكات ، ولا يزيله صيام مائة عام، ولا قيام ليلها !!
وكذلك داء اتباع الهوى ، والإعجاب بالنفس : لا يلائمه كثرة قراءة القرآن ، واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد، وإنما يزيله إخراجه من القلب بضده .
ولو قيل: أيما أفضل: الخبز أو الماء؟
لكان الجواب: أن هذا في موضعه أفضل، وهذا في موضعه أفضل “.
انتهى من “عدة الصابرين” (ص 114-115) .
Visits: 21