لا يجتمع في الاسلام مسجد وقبر
يحرم بناء المساجد على القبور ، كما يحرم دفن الميت في المسجد ، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”.
ولما في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: ” إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك”.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور، فقال: “أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله” .
وفي هذه الأحاديث دليلٌ وَاضِحٌ على ذَمِّ مَنْ يفعلُ فِعْلَهم مِنْ هذه الأُمَّةِ وهذا سدًّا لذريعةِ الشِّركِ وقطعًا للسُّبُل المؤدِّيَة إلى عبادةِ مَنْ فيها كما حَصَلَ مع عبادةِ الأصنام؛ إذ لا يخفى أنَّ النهيَ عن ذلك إنَّما هو للخوف على الأُمَّةِ مِن الوقوع فيما وقَعَتْ فيه اليهودُ والنصارى وغيرُهم مِن وَصْفِ الشرك اللاحق بمَن عصى اللهَ تعالى وارتكب النهيَ واتَّبع الهوى ولم يَعِ معنى: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ».
ومِنَ الأحاديثِ ـ أيضًا ـ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: «إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ»
والمتمعِّنُ في هذه الأحاديثِ يُدْرِكُ تحريمَ هذا الاتِّخَاذِ المذكور بجميعِ مَعانيه، سواءٌ اتِّخاذ القبور مَساجِدَ للسجود عليها أو إليها أو استقبالها بالصلاة والدعاء، وبناء المساجد عليها وقَصْدِ الصلاة فيها، وهذا الفعلُ لا شكَّ أنه مِن الكبائر؛ إذ لا يمكن أن يكونَ اللعنُ الواردُ في النصِّ فضلًا عن وَصْفِهم بشرارِ الخَلْقِ عند اللهِ تعالى إلَّا في حقِّ مَنْ يقترف ذنبًا عظيمًا وإثمًا كبيرًا.
ولقد أَجْمَعَ العلماءُ على النهي عن البناء على القبور وتحريمِه ووجوبِ هَدْمِه؛ فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، فأيهما طرأ على الآخر أزيل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك” ، وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد ، فإن كان المسجد قبل الدفن غيّر إما بتسوية القبر ، وإما بنبشه إن كان جديداً ، وإن كان المسجد بني بعد القبر ، فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر ، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل ، فإنه منهي عنه).
فبناء المساجد على القبور محرم ، بل هو من الكبائر عند بعض أهل العلم .
قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: (الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها).
كَمْ حَذَّرَ الْمُخْتَارُ عَنْ ذَا وَلَعَنْ | فَاعِلَهُ كَمَا رَوَى أَهْلُ السُّنَنْ | |
بَلْ قَدْ نَهَى عَنِ ارْتِفَاعِ الْقَبْرِ | وَأَنْ يُزَادَ فِيهِ فَوْقَ الشِّبْرِ | |
وَكُلُّ قَبْرٍ مُشْرِفٍ فَقَدْ أَمَرْ | بِأَنْ يُسَوَّى هَكَذَا صَحَّ الْخَبَرْ |
Hits: 180