قال ابن المنذر : وبيع ما ليس عندك يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يقول : أبيعك عبدا أو دارا معينة وهي غائبة ، فيشبه بيع الغرر لاحتمال أن تتلف أو لا يرضاها .
ثانيهما : أن يقول : هذه الدار بكذا ، على أن أشتريها لك من صاحبها ، أو على أن يسلمها لك صاحبها ” .
قال الحافظ ابن حجر : “ وقصة حكيم موافقة للاحتمال الثاني ” انتهى من “فتح الباري” (6/460) .
فتبين من هذا أن السبب في منع بيع الإنسان ما لا يملك : هو الغرر الناشئ عن عدم القدرة على تسليم المبيع المعين ، وما قد يترتب على ذلك من النزاع ، فإن البائع قد لا يستطيع تحصيل المبيع المعين ، والمشتري يطالبه به ، لأن العقد قد تم ، فيحصل بينهما النزاع .
قال العيني في “عمدة القاري” (11/250) : ” مَعْنَاهُ: أَن يَشْتَرِي من إِنْسَان طَعَاما بدرهم إِلى أجل ثمَّ يَبِيعهُ مِنْهُ أَو من غَيره قبل أَن يقبضهُ بِدِرْهَمَيْنِ مثلا ، فَلَا يجوز لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير : بيع دِرْهَم بدرهم، وَالطَّعَام غَائِب ، فَكَأَنَّهُ قد بَاعه درهمه الَّذِي اشْترِي بِهِ الطَّعَام بِدِرْهَمَيْنِ ، فَهُوَ ربا، لِأَنَّهُ بيع غَائِب بناجز فَلَا يَصح ” انتهى.
قوله : ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ” هذه الحيازة قد تكون حقيقية، وقد تكون حكمية، وهي كافية لاعتبار القبض والتملك كالحيازة الحقيقية، والقبض الحقيقي ، وقبض كل شيء بحسبه .
قال ابن قدامة في المغني: “ قبض كل شيء بحسبه، فإن كان المبيع دراهم أو دنانير، فقبضها باليد، وإن كان ثيابا فقبضها نقلها، وإن كان حيوانا، فقبضه تمشيته من مكانه، وإن كان مما لا ينقل ويحول، فقبضه التخلية بينه وبين مشتريه لا حائل دونه، لأن القبض مطلق في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق والعادة في قبض هذه الأشياء ما ذكرنا “. هـ.
جاء في بدائع الصنائع للكاساني: ” ولا يشترط القبض بالبراجم؛ لأن معنى القبض هو التمكين، والتخلي، وارتفاع الموانع عرفا، وعادة حقيقة “. اهـ.
وأما بالنسبة لبيع السَلَمَ فهو بيع موصوف بالذمة غير موجود وقت العقد ، وقد أباحه الشرع بشروط ، فلو باع شيئا موصوفا في وقت عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز .
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .