بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ ممَّا يثار – اليومَ في وسائلِ الإعلامِ وغيرها- قولهم: كيف لا نسمح لهم ببناء الكنائس والمعابد في بلادنا وقد سمَحوا لنا ببناء المساجِد في بلادهم؟! ولو منعناهم من ذلك فسيمنعون المسلمين من بناء المساجِد والصلاة فيها، وأنَّه ينبغي أن نُعطي رَعاياهم حريَّتهم الدينيَّة، كما أعطَوْا رعايا المسلمين حريَّتهم الدينيَّة،
وأنَّ هنالك مِن المعاصرين مَن أفتى بجواز ذلك؛ اعتمادًا على رأي أبي حنيفةَ في الجواز، …إلخ.
والرد على هذه الشبهة من وجوه :
أوَّلا :
أنَّ حُرمة بناء الكنائس والمعابد الكفريَّة في بلاد المسلمين ممَّا انعقد عليها الإجماع، نقل ذلك كثيرٌ من أهل العلم منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره .
وقد أوْضح المراد بكلام أبي حنيفة القاضي السبكي الشافعي فقال: (ولعلَّ أبا حنيفة إنما قال بإحداثها في القُرى التي يتفرَّدون بالسُّكنى فيها، على عادتهم في ذلك المكان، وغيرُه من العلماء بمنعها؛ لأنَّها في بلاد المسلمين وقبضتهم وإنِ انفردوا فيها، فهُم تحت يدِهم؛ فلا يُمكَّنون من إحداث الكنائس؛ لأنَّها دار الإسلام، ولا يريد أبو حنيفة أنَّ قريةً فيها مسلمون فيُمكَّن أهل الذمة من بناء كنيسة فيها؛ فإنَّ هذه في معنى الأمصار، فتكون محلَّ إجماع) .
فلا وجه للاحتجاج بكلام أبي حيفة لا سيما وقد خالفه في هذا صاحبيه أبو يوسف ومحمد بن الحسن؛ فقد نصوا على تحريم بناء معابد غير المسلمين والعمل على تشييدها وإقامتها وترميمها.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: (من يتتبّع رُخَص المذاهِب ، وزلاّت المجتهدين فقد رقَّ دِينه) [سير أعلام النبلاء: 8 / 81] .
ثانيا :
أنَّ المساجدَ دُورٌ يُعبد فيها الله عزَّ وجلَّ وحده، أما الكنائس والمعابد غير الإسلاميَّة فهي معابدُ كفريَّة، يُكفر فيها بالله عزَّ وجلَّ، ويعبد معه غيره؛ فلا يستويان؛ {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] ؟!
ثالثا :
أنَّ الإذنَ لهم ببناء كنائس ومعابد كفريَّة في دِيار الإسلام بحُجَّة سماحهم للمسلمين ببناء المساجد في بلادهم يقودنا إلى قضية أخرى، وهي الإذن لهم بالدعوة لدينهم بين المسلمين بحُجَّة أنهم يَسمحون للمسلمين بأنْ يدعُوا إلى الإسلام في بلادهم؛ فهل يقول بذلك مسلمٌ؟!
رابعا :
أنه حتى لو ترتَّب على منْعِ بناء الكنائس والمعابد في بلاد المسلمين منعُ بناء المساجد في بلاد الكفَّار؛ فإنَّ دَرءَ مفسدة تلويث بلاد المسلمين – وجزيرة العرب خاصَّةً – بدِين النصارى واليهود والهندوس والبوذيين، أَوْلى مِن المحافظة على مصلحة مكاسب بعض المسلمين في بلاد الكفر ، وعلى المسلمين القادرين على الهِجرة أن يُهاجروا، وعلى العاجزين أن يُصَلُّوا في بيوتهم.
خامسا :
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ” وهذا الذي جاءت به النصوص والآثار هو مقتضى أصول الشرع وقواعده، فإن إحداث هذه الأمور (الكنائس والكنس …..) إحداث شعار الكفر ، وهو أغلظ من إحداث الخمارات والمواخير، فإن تلك شعار الكفر وهذه شعار الفسق.
ولا يجوز للإمام أن يصالحهم في دار الإسلام على إحداث شعائر المعاصي والفسوق، فكيف إحداث مواضع الكفر والشرك ؟! ” .ا.هـ.
ولا يجوز للإمام أن يصالحهم في دار الإسلام على إحداث شعائر المعاصي والفسوق، فكيف إحداث مواضع الكفر والشرك ؟! ” .ا.هـ.
قال الإمام الشافعيُّ رحمه الله: (ولا يُحدِثوا في أمصار المسلمين كنيسةً، ولا مجتمعًا لصلواتهم….) الأم (4/206).
وقال أيضا : “ وأكره للمسلم أن يعمل بنّاء ، أو نجاراً ، أو غير ذلك في كنائسهم التي لصلاتهم ” الأم (4/203) .ا.هـ.
والكراهة عند السلف تعني التحريم كما قرر غير واحد من أهل الأصول ، فلا يفهم من كلام الإمام الشافعي أنها كراهة التنزيه
والكراهة عند السلف تعني التحريم كما قرر غير واحد من أهل الأصول ، فلا يفهم من كلام الإمام الشافعي أنها كراهة التنزيه
وقال الإمامُ أحمد رحمه الله: (ليس لليهود ولا للنصارى أن يُحدِثوا في مِصرٍ مَصَّرَهُ المسلمون بيعةً ولا كنيسةً، ولا يضربوا فيه بناقوس)
قال الحافظ ابن القيِّم رحمه الله: (ولا يُمكَّنون من إحداث البِيَع والكنائس، كما شرَط عليهم عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه في الشروط المشهورة عنه… وهذا مذهب الأئمَّة الأربعة في الأمصار، ومذهب جمهورهم في القُرى، وما زال من يُوفِّقه الله من وُلاة أمور المسلمين يُنفِذ ذلك ويَعمل به، مِثل عمر بن عبد العزيز، الذي اتَّفق المسلمون على أنه إمام هدى).
Visits: 956