وقال ابن العربي المالكي رحمه الله : ” قد بينَّا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته , وأن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى المَلَك لأنه واسطته , قال : والتثاؤب من الامتلاء ، وينشأ عنه التكاسل ، وذلك بواسطة الشيطان , والعطاس من تقليل الغذاء ، وينشأ عنه النشاط ، وذلك بواسطة المَلَك ” .
وقال النووي رحمه الله : ” أضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات إذ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه , والمراد : التحذير من السبب الذي يتولد منه ذلك ، وهو التوسع في المأكل “
وقوله : ” فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ” أي : يأخذ في أسباب رده , وليس المراد به أنه يملك دفعه ، لأن الذي وقع لا يرد حقيقة , وقيل : معنى (إذا تثاءب) أي : إذا أراد أن يتثاءب … .
أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب , ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة .
فان للشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته , ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد , ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة .
ويؤيد كراهته مطلقا كونه من الشيطان لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة واعوجاج الخلقة , فينبغي كظم التثاؤب في كل حالة , وإنما خص الصلاة لأنها أولى الأحوال بدفعه .
قال الحافظ في الفتح : ” وأما قوله في رواية مسلم : ( فإن الشيطان يدخل ) فيحتمل أن يراد به الدخول حقيقة , وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكراً لله تعالى , والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة .
ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه ؛ لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه .
وأما الأمر بوضع اليد على الفم فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب فيغطى بالكف ونحوه ، وما إذا كان منطبقا حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك .
وفي معنى وضع اليد على الفم وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود , وإنما تتعين اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها , ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره , بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم ، ويستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه .
ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يمسك عن القراءة حتى يذهب عنه لئلا يتغير نظم قراءته ” انتهى .
وقال النووي رحمه الله : ” وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها : يستحب وضع اليد على الفم , وإنما يكره للمصلي وضع يده على فمه في الصلاة إذا لم يكن حاجة كالتثاؤب وشبهه ” انتهى .
قال ابن علان رحمه الله : “(ما استطاع) أي قدر استطاعته ، وذلك بإطباق فيه ، فإن لم يندفع بذلك فبوضع اليد عليه” انتهى .
واستحب غير واحد من أهل العلم أن يكون باليد اليسرى ؛ لأنه من باب دفع الأذى ، وقاعدة الشريعة : تقديم اليمين في كل ما كان من باب الكرامة ، وتقديم الشمال في كل ما كان من باب المهانة .
والحمد لله رب العالمين .
Hits: 5997