وكان الانسان عجولا

Home / التفسير / وكان الانسان عجولا
وكان الانسان عجولا
قال الراغب الأصفهاني: “العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن حتى قيل: العجلة من الشيطان[معجم مفردات ألفاظ القرآن (ص334)].      
 قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:16]،  وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن، يتخلق بأخلاقه، ويتأدب بآدابه، لذلك التزم بهذا التوجيه المبارك، لم يكن يستعجل؛ بل كان يتأنى ويصبر، وإلى هذا أرشد أمته فقال صلى الله عليه وسلم: «التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» السلسلة الصحيحة (4/404) برقم (1795)].
قَدْ يُدْرِكُ المُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ *** وَقَدْ يَكُونُ مَعَ المُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ
ومن الأمثلة على العجلة المذمومة:
1-الاستعجال بالدعاء على الأهل والمال والولد عند الغضب قال تعالى: {وَيدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11]، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» رواه مسلم.    ولعل كثيراً مما نرى من المصائب، والأمراض، وفساد الأولاد؛ يكون بسبب الدعاء عليهم، وكثير من الناس لا يشعر بذلك، فهل من مدكر؟!
2-استعجال المرء إجابة دعائه فأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي» رواه مسلم
3-استعجال بعض المصلين في صلاتهم، فلا يُتِمّونَ رُكُوعَهَا ولا سُجُودَهَا، ولا يَطْمَئِنّونَ فيها، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجُلاً صلَّى عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» – ثلاث مرات – في كل مرة يقول له ذلك، ثم قال له: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِماً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً…» الحديث [جزء من حديث في صحيح البخاري (1/247) برقم (757)].
4- أن يستبطئ الإنسان الرزق فيستعجل، فيطلبه من طرق محرمة، ووجوه غير مشروعة فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فِي روعِي أنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إلاَّ بِطَاعَتِهِ» صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2085)
5- المسارعة الى استشراف الفتن والخوض فيها وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من هذا فقال : “ستكونُ فِتَنٌ ، القاعِدُ فيها خيرٌ مِنَ القائِمِ ، والقائمُ فيها خيرٌ منَ الماشي ، والماشي فيها خيرٌ من الساعي ، ومَنْ يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ ، ومَنْ وجد مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ ” رواه البخاري ومسلم
قال العلامة محمد بن عبد الوهاب الوصابي رحمه الله : “تأتي فتنة من الفتن لا تندفع فيها حتى تتأنى، حتى تنظُر في الأمر، حتى تسأل أهل العلم. وكَونُك بقيت شهر، زمان مثلاً، أو أقل أو أكثر وأنت لا تدري وجه الصواب أهوَن من أن تندفع، خير لك من أن تندفع وأنت لم تعلم وجه الصواب، فالتأني وعدّم التعجل، الله الله، إجعلها يا -أخي المسلم- قاعدة لك في حيـاتك، فإذا تأنيتَ ونظرتَ في الأمر -إن شاء الله- جاءك الخير وجاءك الفرج، وأنت على خير، والرّسول -عليه الصلاة والسلام- لما قال للأشج إبن عبد القيس: ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة ) .
6- نقلُ الاحاديث والأخبار دون تحرٍ: يكون عند بعض الناس عجلة، فأي خبر سمعتْه أذُناه نشر ذلك الخبر وأشاعه من غير تثبت، أهذا الخبرُ حق أم باطل؟ أصدقٌ أم كذب؟ مجرد خبر يسمعه لا يستطيع أن يكتمه، بل لا بد أن يشيعه وينشره، ولو كان هذا الخبر غيرَ واقع، ولو كان كذباً في باطن الأمر. ولهذا يقول : ((كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع)) ، فمن حدَّث بكل ما سمع اعتُبر كاذباً؛ لأن الخبر قد يُستقصى فلا يُرى له صحة، فيُتَّهم بالكذب وهو لم يقصد ذلك، لكن عجلته في الأخبار أوجبت له أن يوصَف بتلك الصفة الخاطئة.
7- العجلة في قيادة السيارات، وما نسمعه من الحوادث المروعة التي كانت سبباً لإزهاق نفوس كثيرة، وأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة، إنما وقع بسبب العجلة.
قال الحافظ ابن حبان رحمه الله : “أما المسارعة إلى فعل الخيرات والمبادرة إليها، وانتهاز الفرص إذا حانت؛ فإن ذلك محمود وليس بمذموم قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال موسى عليه السلام: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} لأن العجلة المذمومة القطع في الأمور قبل التفكر والمشاورة والاستخارة.

 

ولهذا قال أبو حاتم البستي رحمه الله: “إنَّ العَجِلَ يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعدما يحمد، والعجِل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تسميها أم الندامات” [“روضة العقلاء” (ص288)]. أ هـ.

Visits: 88