وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ

Home / التفسير / وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَالصَّبْرُ فِي اللُّغَةِ : الْحَبْسُ وَالْكَفُّ . وَمِنْهُ : قُتِلَ فُلَانٌ صَبْرًا . إِذَا أُمْسِكَ وَحُبِسَ . 
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَه ) ؛ أَيِ احْبِسْ نَفْسَكَ مَعَهُمْ . 
فَالصَّبْرُ : حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ الْجَزَعِ وَالتَّسَخُّطِ . وَحَبْسُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى . وَحَبْسُ الْجَوَارِحِ عَنِ التَّشْوِيشِ . 
وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ : صَبْرٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ . وَصَبْرٌ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ . وَصَبْرٌ عَلَى امْتِحَانِ اللَّهِ . 
فَالْأَوَّلَانِ : صَبْرٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ . وَالثَّالِثُ : صَبْرٌ عَلَى مَا لَا كَسْبَ لِلْعَبْدِ فِيهِ 
يقول ابن القيم رحمه الله سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ  يَقُولُ : 
” كَانَ صَبْرُ يُوسُفَ عَنْ مُطَاوَعَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ عَلَى شَأْنِهَا : أَكْمَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى إِلْقَاءِ إِخْوَتِهِ لَهُ فِي الْجُبِّ ، وَبَيْعِهِ وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ 
فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ جَرَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ، لَا كَسْبَ لَهُ فِيهَا ، لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حِيلَةٌ غَيْرَ الصَّبْرِ ، 
وَأَمَّا صَبْرُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَصَبْرُ اخْتِيَارٍ وَرِضًا وَمُحَارَبَةٍ لِلنَّفْسِ . وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْوَى مَعَهَا دَوَاعِي الْمُوَافَقَةِ . 
فَإِنَّهُ كَانَ شَابًّا ، وَدَاعِيَةُ الشَّبَابِ إِلَيْهَا قَوِيَّةٌ . 
وَعَزَبًا لَيْسَ لَهُ مَا يُعَوِّضُهُ وَيَرُدُّ شَهْوَتَهُ . 
وَغَرِيبًا ، وَالْغَرِيبُ لَا يَسْتَحِي فِي بَلَدِ غُرْبَتِهِ مِمَّا يَسْتَحِي مِنْهُ مَنْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَأَهْلِهِ ، 
وَمَمْلُوكًا ، وَالْمَمْلُوكُ أَيْضًا لَيْسَ وَازِعُهُ كَوَازِعِ الْحُرِّ . 
وَالْمَرْأَةُ جَمِيلَةٌ ، وَذَاتُ مَنْصِبٍ ، وَهِيَ سَيِّدَتُهُ ، وَقَدْ غَابَ الرَّقِيبُ . وَهِيَ الدَّاعِيَةُ لَهُ إِلَى نَفْسِهَا . وَالْحَرِيصَةُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْحِرْصِ ، 
وَمَعَ ذَلِكَ تَوَعَّدَتْهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِالسِّجْنِ وَالصَّغَارِ . وَمَعَ هَذِهِ الدَّوَاعِي كُلِّهَا صَبَرَ اخْتِيَارًا ، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ . وَأَيْنَ هَذَا مِنْ صَبْرِهِ فِي الْجُبِّ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ ؟ 
وَكَانَ يَقُولُ أي الامام ابن تيمية : ” الصَّبْرُ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ : أَكْمَلُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَفْضَلُ; فَإِنَّ مَصْلَحَةَ فِعْلِ الطَّاعَةِ أَحَبُّ إِلَى الشَّارِعِ مِنْ مَصْلَحَةِ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ . وَمُفْسِدَةُ عَدَمِ الطَّاعَةِ : أَبْغَضُ إِلَيْهِ وَأَكْرَهُ مِنْ مَفْسَدَةِ وُجُودِ الْمَعْصِيَةِ “ .  اه

Visits: 214