قَالَ القاضي ابْنُ الْعَرَبِيِّ المالكي في تفسيره : ذَكَرَ اللَّهُ الِانْتِصَارَ فِي الْبَغْيِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ ،
وَذَكَرَ الْعَفْوَ عَنِ الْجُرْمِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ ، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِلْآخَرِ ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى حَالَتَيْنِ :
– إِحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَاغِي مُعْلِنًا بِالْفُجُورِ ، وَقِحًا فِي الْجُمْهُورِ ، مُؤْذِيًا لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ ، فَيَكُونُ الِانْتِقَامُ مِنْهُ أَفْضَلَ .
وَفِي مِثْلِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُذِلُّوا أَنْفُسَهُمْ فَتَجْتَرِئُ عَلَيْهِمُ الْفُسَّاقُ .
– الثَّانِيَةُ : أَنْ تَكُونَ الْفَلْتَةُ ، أَوْ يَقَعُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِالزَّلَّةِ وَيَسْأَلُ الْمَغْفِرَةَ ، فَالْعَفْوُ هَاهُنَا أَفْضَلُ ، وَفِي مِثْلِهِ نَزَلَتْ : وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى . وَقَوْلُهُ : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ . وَقَوْلُهُ : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ” اه .
قال العلامة القرطبي معقبا على كلام أبي بكر ابن العربي:” هَذَا حَسَنٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : ” وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ “ يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى أَنَّ الِانْتِصَارَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَفْضَلُ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَرَنَهُ إِلَى ذِكْرِ الِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ،
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُذِلُّوا أَنْفُسَهُمْ فَتَجْتَرِئُ عَلَيْهِمُ الْفُسَّاقُ ، فَهَذَا فِيمَنْ تَعَدَّى وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ .
وَالْمَوْضِعُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِالْعَفْوِ إِذَا كَانَ الْجَانِي نَادِمًا مُقْلِعًا .
وَقَدْ قَالَ عُقَيْبَ هَذِهِ الْآيَةِ : ” وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ” وَيَقْتَضِي ذَلِكَ إِبَاحَةُ الِانْتِصَارِ لَا الْأَمْرُ بِهِ ، وَقَدْ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ : ” وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ” وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغُفْرَانِ عَنْ غَيْرِ الْمُصِرِّ ، فَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ فَالْأَفْضَلُ الِانْتِصَارُ مِنْهُ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَقِيلَ : أَيْ : إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ تَنَاصَرُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُزِيلُوهُ عَنْهُمْ وَيَدْفَعُوهُ ، قَالَهُ ابْنُ بَحْرٍ .
وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْعُمُومِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا . ” اه
Visits: 127