بسم الله الرحمن الرحيم
روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ زيدَ بنَ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ خرجَ إلى الشَّأْمِ،يسألُ عنِ الدِّينِ ويَتْبَعُهُ، فلقيَ عالمًا منَ اليَهودِ فسألهُ عنْ دينهِمْ، فقال زيد: إني لعَلِّي أنْ أدينَ دينَكمْ فأخْبِرْني، فقال اليهودي: لا تكونُ علَى دينِنا،حتي تأخُذَ بِنَصيبِكَ منْ غضَبِ اللَّهِ،
قال زيدٌ :ما أفِرُّ إلا منْغضَبِ اللَّهِ، ولا أحْملُ منْ غضَبِ اللَّهِ شيئًا أبدًا، وأنَّى أسْتَطيعُهُ ؟فهلْ تَدُلُّني علَى غيرِهِ؟
قال اليهودي: ما أعلَمُهُ إلا أنْ يكُونَ حَنيفًا، قال زيدٌ: وما الحنيفُ؟
قال اليهودي: دينُ إبْراهيمَ،لمْ يكُنْ يَهوديًّا ولا نصْرانيًّا ولايعبُدُ إلا اللَّهَ.
فخرجَ زيدٌ فلَقيَ عالمًا منَالنَّصارَى فذكر مثلَهُ، فقال النصراني: لنْ تكونَ على ديننا حتَّى تأْخُذَ بنَصيبِكَ منْ لَعنَةِ اللَّهِ،
قال زيد: ما أفِرُّ إلا منْ لَعنَةِ اللهِ
قال النصراني:ما أعلمُهُ إلا أنْ يكونَ حَنيفًا، قال زيد :وما الحَنيفُ؟
قال النصراني: دينُ إبراهيمَ لمْ يكنْ يَهوديًّا ولا نَصْرانيًّا، ولا يعبُدُ إلا اللهَ.
فلما رأى زيدٌ قوْلهُم في إبْراهيمَ عليْهِ السَّلامُ خرجَ، فلما بَرَزَ رفَعَ يدَيْهِ، فقال:” اللَّهُمَّ إني أشْهَدُ أني علَى دينِ إبراهيمَ.“
إن كثيرا ممن يدين بدين باطل، يعلم أنه على باطل، ولكن يمنعه عن اتباع الحق إيثار الدنيا، أو الاستكبار والعلو في الأرض، كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: 14].
قال الكشميري في (فيض الباري): قوله: (فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله) فيه دليل على أن اليهود كانوا يعلمون في أنفسهم أنهم قد باءوا بغضب من الله، وكذلك النصارى أيضا. اهـ.
ولا مانع من أن يوجد في أهل الباطل من يصرح بحاله، وينصح لغيره، ولاسيما إن كان محبا له، مشفقا عليه، كما روى البخاري أيضا عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ” الحمد لله الذي أنقذه من النار ” .
قال الصنعاني في (التحبير): فيه أنّ أباه يعلم أنه رسول الله حقاً، {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}. اهـ.
وقال ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حق، ودليل ذلك أن اليهودي قال لابنه: “أطع أبا القاسم” والحق ما شهدت به الأعداء، ومعلوم أن اليهود والنصارى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، قال الله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} وإنما كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم؛ لأن الله قال: {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} معروف مشهور باسمه العلم عليه السلام {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} هم يعرفون هذا، لكن الحسد -والعياذ بالله- والاستكبار، منعهم من الإيمان به {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} نسأل الله السلامة. اهـ.
والحمد لله رب العالمين
Visits: 222