الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ

Home / التفسير / الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ
الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ

يقول الامام ابن القيم رحمه الله :” أَمَّا الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ ، فَإِنَّهُ يَصْدُرُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، 

وَلَكِنْ لَا يَخُصُّ اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، بَلْ يَعْمَلُ لِحَظِّ نَفْسِهِ تَارَةً، وَلِطَلَبِ الدُّنْيَا تَارَةً، وَلِطَلَبِ الرِّفْعَةِ وَالْمَنْزِلَةِ وَالْجَاهِ عِنْدَ الْخَلْقِ تَارَةً، فَلِلَّهِ مِنْ عَمَلِهِ وَسَعْيِهِ نَصِيبٌ، وَلِنَفْسِهِ وَحَظِّهِ وَهَوَاهُ نَصِيبٌ، وَلِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ، وَلِلْخَلْقِ نَصِيبٌ، وَهَذَا حَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، قَالُوا: كَيْفَ نَنْجُو مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا أَعْلَمُ” .

فَالرِّيَاءُ كُلُّهُ شِرْكٌ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 110] .
أَيْ: كَمَا أَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَلَا إِلَهَ سِوَاهُ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ لَهُ وَحْدَهُ، فَكَمَا تَفَرَّدَ بِالْإِلَهِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ هُوَ الْخَالِي مِنَ الرِّيَاءِ الْمُقَيَّدُ بِالسُّنَّةِ.
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:” اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا “
وَهَذَا الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ يُبْطِلُ ثَوَابَ الْعَمَلِ، وَقَدْ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَمَلُ وَاجِبًا، فَإِنَّهُ يُنْزِلُهُ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْهُ، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِعِبَادَتِهِ عِبَادَةً خَالِصَةً، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [الْبَيِّنَةِ: 5] .
فَمَنْ لَمْ يُخْلِصْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ، بَلِ الَّذِي أَتَى بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَلَا يَصِحُّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، وَيَقُولُ اللَّهُ: ” «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ بِهِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ»  
 
إلى أن قال رحمه الله : ”  وَأَمَّا الشَّرَكُ فِي الْإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ، فَذَلِكَ الْبَحْرُ الَّذِي لَا سَاحِلَ لَهُ، وَقَلَّ مَنْ يَنْجُو مِنْهُ، مَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ، وَنَوَى شَيْئًا غَيْرَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَطَلَبَ الْجَزَاءَ مِنْهُ، فَقَدْ أَشْرَكَ فِي نِيَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ.

وَالْإِخْلَاصُأَنْ يُخْلِصَ لِلَّهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَإِرَادَتِهِ وَنِيَّتِهِ، وَهَذِهِ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ كُلَّهُمْ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهَا، وَهِيَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ.
{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 85] .
وَهِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ الَّتِي مَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَهُوَ مِنْ أَسَفَهِ السُّفَهَاءِ. ” اه الداء والدواء

Visits: 352